المُرائي:
١)قد يكون الرياء، بحسب تعريفه، هو تكلُّف
تفسير سلبي للأعمال والأقوال بما يجعلها أسوأ (مما هي عليه). أما المُرائي فهو ذلك
الذي:
(٢)اعتاد أن يلتقي بأعدائه ويُثرثر معهم
دون أن يُظهر كراهيته لهم. إنه يمتدح وجهًا لوجهٍ أولئك الناس الذين اغتابهم من وراء
ظهورهم، كما يُبدي تعاطفه معهم عندما يُلمُّ بهم سوء الحظ ويخسرون قضية في المحكمة.
وهو يتسامح مع الذين يتكلمون عنه بالسوء، بجانب تجاوزه عما يُقال ضده.
(٣)وهو يتلطَّف في كلامه مع أولئك الذين
يُعانون الظلم ويشعرون بالسخط عليه. وإذا أراد أحد الناس أن يتكلم معه على وجه السرعة،
طلب منه أن يرجع إليه مرةً أخرى.
(٤)وهو لا يصرِّح أبدًا بشيء عن أي شيء
يشغله، وإنما يقول إنه ما يزال يفكر في الأمر، كما يدَّعي أنه قد «وصل على الفور» أو
«تأخَّر كثيرًا» أو «كان مريضًا».
(٥)وهو يُجيب من يسألونه قرضًا أو معونة
بقوله إنه ليس غنيًّا، وإذا باع «شيئًا» مما لديه قال إنه لا يبيع، وإذا لم يكن يبيع
شيئًا بالفعل قال إنه يبيع. وإذا سمع شيئًا ادَّعى أنه لم يسمع، وإذا رأى شيئًا أنكر
أنه رأى، وبعد أن يصدِّق على شيء (أو يُقرَّ به) يقول إنه لا يتذكر ذلك. مرةً يقول
إنه سوف يفكر، ومرةً أخرى إنه لا يعلم، وحينًا يزعم أن الأمر يُدهشه، وحينًا آخر أنه
سبق له التوصل إلى نفس الفكرة.
(٦) ومن دأبه على العموم أن يستخدم أمثال
هذه العبارات: «لا أعتقد هذا»، «لا أفهم»، «هذه مفاجأة لي»، أو «إنك تقول عنه إنه تغيَّر»،
و«ليست هذه هي القصة التي رواها لي»، و«لا أظن أن الموضوع كله غير معقول»، «قل هذا
لشخصٍ آخر»، «لا أدري إن كان عليَّ أن أكذِّبك أم أن أدينه (وأتهمه بالوقوع في الخطأ).
المتملَّق:
١)يُفهَم من التملق أنه في حد ذاته تصرفٌ
مَشين، ولكنه يعود بالنفع على المتملِّق. أما المتملِّق (نفسه) فهو ذلك الشخص الذي:
(٢)يصحب إنسانًا (أثناء سيره) ويقول: «هل
تُلاحظ كيف يتطلع الناس إليك؟ إن هذا لا يحدث لأحدٍ غيرك في المدينة. لقد أثنَوا عليك
بالأمس في القاعة.» إذ تجمَّع هناك أكثر من ثلاثين شخصًا، وتطرَّق الحديث بينهم إلى
السؤال عن أفضل المواطنين، فأجمع الكل منذ البداية «عليه» و«على اسمه».
(٣)ومع استطراده في هذا الكلام يلتقط خيطًا
(لمحه) على ثوب «الآخر»، أو ينتزع قشةً ألقتها الريح في شعره بينما يقول ضاحكًا: «لأني
لم أرَك لمدة يومين امتلأت ذقنك بالشعر الأبيض، ومع ذلك فما زِلت بالرغم من سنك تفوق
أي شخص آخر في الاحتفاظ بالشعر الأسود.»
(٤)وعندما يقول «هو» شيئًا، فإنه يأمر الآخرين
بأن يسكتوا، ويقرِّظه ويُثني عليه عندما «يُلاحظ» «أنه» يسمعه، ويعقِّب بقوله «هذا
صحيح» عندما يُنهي كلامه، ويضحك على مزحةٍ باردة (أو هزيلة) يُطلِقها ويحشر طرف ثوبه
في فمه، وكأنه لا يستطيع أن يمسك نفسه من الضحك.
(٥)ويطلب من المارَّة أن ينتظروا حتى يعبر
«هو» الطريق.
(٦)ويشتري التفاح والكمثرى للأطفال ويأخذها
معه، ويُهديها لهم عندما يرى «هو» ذلك، ثم يقبِّلهم قائلًا: «أبوكم رائع يا صغار.»
(٧)وحين يصحبه لشراء أحذية يقول إن «قدمه»
أبدع من الحذاء.
(٨)وإذا ذهب «هو» لزيارة بعض أصدقائه سبقه
إليهم وقال (للواحد منهم): «إنه قادم لزيارتك.» ثم يستدير إليه قائلًا: «لقد بلغتك!»
(٩)ومن عادته بطبيعة الحال أن يذهب إلى
سوق النساء — ليتسوَّق من هناك — وهو لاهث الأنفاس.
(١٠)وعندما يحضر مأدبة غداء (أو عشاء) يكون
أول من يُثني على النبيذ، ويظل يردِّد باستمرار: «ما ألذَّ طعامَك!» ثم يقول وهو يلتقط
شيئًا من المائدة: «ما أطيبَ هذا!» كذلك يسأله (أي يسأل صديقه أو سيده) إن كان يشعر
بالبرد، وهل يحب أن يضع عليه شيئًا ويلفَّه بغطاء. وفي أثناء ذلك ينحني عليه ويهمس
بشيء في أذنه، كما يحرص على التطلع «إليه» أثناء انشغاله بالكلام مع ضيوفه.
(١١)وفي المسرح يأخذ المَساند من الخادم
ويرتِّبها بنفسه (على المقعد الذي سيجلس عليه).
كثير
الكلام:
(١)كثرة الكلام هي (الإمعان في) سرد أقوال (وأحاديث)
مطوَّلة وخالية من التدبر. أما كثير الكلام فهو ذلك الذي:
(٢)يقترب
من شخصٍ لا يعرفه، ويبدأ (الحديث معه) بإنشاد قصيدة مدح في زوجته الخاصة، ثم يروي قصة
الحلم الذي رآه في الليلة السابقة، ويستطرد في وصفٍ تفصيلي للطعام الذي تناوله (في
العشاء).
(٣)وبعد
ذلك يُلاحظ وهو يُسارع بالتدريج من إيقاع «كلامه»، أن الناس اليوم أسوأ بكثيرٍ مما
كان عليه القدماء، وأن سعر القمح رخيص جدًّا في السوق، وأن عدد الأجانب قد ازداد في
المدينة (أي في أثينا)،
وأن البحر
منذ انتهاء الأعياد الديونيزية أصبح صالحًا لإبحار «السفن»، وأنه لو تلطَّف زيوس بإرسال
المزيد من المطر لتحسَّن الحصاد (وتحسَّنت أحوال الفلاحين). ويُضيف أنه سوف يزرع حقلًا
في العام المُقبِل، وأن الحياة أصبحت صعبة، وأن «داميبوس» قد أوقد أضخم شعلة في احتفالات
الأسرار،
وأن عدد
الأعمدة في «الأوديون» يبلغ كذا وكذا عمودًا، و«كنت أمس مريضًا جدًّا وتقيَّأت»، و«أي
يوم من أيام الشهر هو هذا اليوم؟» (ويُواصل كلامه قائلًا) إن «موعد» احتفالات الأسرار
يحين في شهر سبتمبر، و«الأباتوريات» في أكتوبر، وأعياد ديونيزيوس الريفية في ديسمبر.
وإذا صبر عليه أحد، فلن يتوقَّف أبدًا (ولن يتركه ينصرف لحاله).
المُجامل:
(١)يمكن
تعريف «التلهف على» المجاملة بأنه شكل من أشكال التعامل الذي يُقصَد به جلب السرور،
وإن كان لا يترك انطباعًا حسنًا «عن صاحبه». أما «المتلهِّف» على المجاملة فهو ذلك:
(٢)الذي
يُحيِّي إنسانًا من بعيد، يدعوه «أفضل الناس»، ويعبِّر عن إعجابه الشديد به. إنه يُمسكه
بكلتا يديه ولا يريد أن يتركه (ليمضي في حاله)، وبعد أن يصحبه على الطريق قليلًا يسأله
متى سيراه في المرة القادمة، ثم يبتعد وهو يردِّد عليه «عبارات الثناء» والمجاملة.
(٣)وإذا
دُعي للتحكيم (في إحدى القضايا)، فإنه لا يكتفي بإرضاء الطرف الذي يقف في صفه، وإنما
يحرص أيضًا «على إرضاء» خصمه حتى يبدو في موقف الحياد.
(٤)«وإذا
ثار خلاف بين الأجانب والأثينيين» قال إن الأجانب أعدل حكمًا من مُواطنيه.
(٥)وإذا
دُعي لمأدبة طعام طلب من مُضيفه أن يستدعي أطفاله، فإذا دخلوا قال إنهم يُشبِهون أباهم
أكثر مما تُشبِه التينة تينةً أخرى، ثم يجذب بعضهم إليه ويقبِّلهم ويُجلسهم بجواره
ويلعب معهم لعبة «الخرطوم والبلطة»، أما البعض الآخر فيتركهم ينامون على بطنه؛ مما
يُضايقه بطبيعة الحال ويُشعره بأنهم يضغطون عليه.
(٦)وهو
يُبالغ في التردد على الحلَّاق، ويحرص على بياض أسنانه، ويبدِّل ثوبه ليظهر دائمًا
في مظهرٍ نظيف، ويضمخ «جسده» بأنواع الدهان المختلفة.
(٧)وفي
السوق يتردَّد على موائد الصرَّافين، ويختلف على الملاعب الرياضية حيث يتدرب الصِّبية،
أما في المسرح فإنه يتخذ مجلسه — حين يكون هناك عرضٌ مسرحي — إلى جوار القادة «العسكريين».
(٨)وهو
لا يشتري لنفسه شيئًا، وإنما يشتري الزيتون لأصدقائه في بيزنطة، والكلاب الإسبرطية
لأصحابه في كيزيكوس، والعسل «الهيميتي» لخلَّانه في رودوس، ثم يدور في المدينة ويحكي
هذا «لكل إنسان».
(٩)وهو
يحب بطبيعة الحال أن يحتفظ بقرد، «كما يحلو له» أن يحصل على طائرٍ نادر، وحمامٍ صقلي،
وقِطع زهر من عظام الغزلان، وزجاجات دهان صغيرة من «توري»، وعصًا ملوية من إسبرطة،
وبساط بزخارف فارسية، ومساحة صغيرة مفروشة بالرمل للتدريب على الرقص، وملعب لكرة اليد.
تعليقات
إرسال تعليق